فصل: ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة

فيها في العشر الأخير من المحرم الموافق لأواخر العشر الأوسط من نيسان وترادفت الأمطار فحصل سيول عظيمة في بلاد حلـب وحمـاة وحمـص وغـرق أهـل ضيعـة مـن بلـاد حمـص ممـا يلـي جهـة جوسيـة‏.‏

وفيهـا فـي الثاني والعشرين من ربيع الأول الموافق لرابع عشر حزيران وصل إلى حماه من ديار مصر الأمير بهاء الدين أرسلان الدواداري وأوقع الوصية على أخبار آل عيسى ثم استقرت بالوصية على خبر مهنا ومحمد ابني عيسى وأحمد وفياض ابني مهنا المذكور وركب الأمير بهاء الدين المذكور من عندي للجنا وسار عليها إلى مهنا واجتمع به على مربعة وهي منزلة تكون يوماً تقريباً من السنة يوم الاثنين سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة وتحدث معه في انقطاعه عن التتر ولم ينتظم حال فعاد الأمير بهـاء الديـن المذكـور إلـى دمشـق ثـم عـاد إلـى موسـى بـن مهنـا بالقرب من سلمية ثم عاد إلى دمشق وتوجـه هـو وفضل بن عيسى إلى الأبواب الشريفة واستقر فضل أميراً موضع أخيه مهنا ووصل إلى بيوته بتل أعدا في أوائل جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

وعود المعرة‏:‏ في هذه السنة حصلت تقدمتـي علـى جـاري العـادة مـن الخيـول والقمـاش والمصـاغ وسألـت دستـوراً لأتوجـه بنفسـي إلى الأبواب الشريفة فورد الدستور الشريف وسرت من حماة آخر نهار الجمعـة الخامـس والعشريـن مـن ربيـع الآخـر الموافـق لسـادس عشر تموز وكانت خيلي قد تقدمتني فلحقتهم على خيل البريد بدمشق وخرجت من دمشق في نهار وصولي إليها‏.‏

وهو يـوم الاثنيـن الثامـن والعشريـن من ربيع الآخر المذكور ووصلت إلى القاهرة عشية نهار الأحد ثامن عشر جمادى الأولى وأنزلت في الكبش وحضرت بين يدي المواقف الشريفة السلطانية بكرة الاثنيـن تاسـع عشـر جمادى المذكورة وشملني من الصدقات السلطانية ما يفوت الحصر من ترتيب الإقامات في الطرقات من حماة إلى مصر ومن كثرة الرواتب مدة مقامي بالكبش ومن الخلع لي ولكل من في صحبتي ووصلني بحصانين بسروجهما ولجمهما أحدهما كان سرجه محلى ذهباً مصرياً واتفق عند وصولي زيادة النيل على خلاف العادة ووفى ماء السلطان وكسر بحضوري في نهار الخميس الثاني والعشرين مـن جمـادى الأولـى الموافـق لثانـي عشـر آب وتاسـع عشـر مسري وهذا شيء لم يعهد في جيلنا وأقمت في الصدقات السلطانية ووصلني بثلاث خلع أحدها أطلس تحتاني أصفر وفوقاني أحمر بطرز زركش وكلوته زركش وشـاس تساعـي‏.‏

والأخرى قبا منسوج بالذهب وطراز زركش يزيد عن مائة مثقال من الذهب المصري بفرو قاقم والخلعة الثالثة عند مسيري قباً ثالثاً بالشرج وتصدق علي بمدينة المعرة وقصبتها زيادة علـى مـا بيـدي وكتـب لي بها تقليد يشبه ما كتب لي حماة ومدحني شهاب الدين محمود كاتب الإنشاء الحلبي بقصيدة ذكر فيها صدقات السلطان وعود المعرة أضر بنا عن غالبها خوف التطويل فمنها‏:‏ بك تزهى مواكب وآسرة ولك الشمس والقواضب آسره وبأيامـك التـي هـي روض للأماني تجتني ثمار المسره بك كل الدنيـا تهنـي ويضحـي قدرها عالياً وكيف المعره وتوجهت من الأبواب الشريفة وأنا مغمور محبور بأنواع الصدقات السلطانية وسرت من الكبش بعد العشاء الآخرة مـن الليلـة المسفـرة عـن نهـار الجمعـة رابـع عشـر جمـادى الآخـرة وقدمـت مملوكـي طيدمـر الدوادار مبشراً على البريد لأهلي بحماة ثم حقني إلى سريا قوش الأمير سيف الدين كجري أمير شكار بسنقور وكذك وصلني أحمال من الحلاوة والسكر والشمع زائداً عن الإقامات المرتبة في الطرقات كذلـك وصلنـي سيـف محلـى بالذهـب المصـري وأتممـت السيـر وتوجهت عن غزة زيارة فزرت الخليـل ثـم القـدس وسـرت مـن القـدس يـوم الثلاثـاء الخامـس والعشرين من جمادى الآخرة ودخلت دمشق يوم الأحد مستهل رجب ولما أصبحـت سـرت ما ودخلت حماة نصف الليلة المسفرة عن نهار الخميس خامس رجب الموافق للثالث والعشرين من أيلول فإني قصدت في ذلك عدم التثقيل على الناس فإنهم كانوا قد زينوا حماة واحتفلوا بالبسط لقدومي فدخلت بغتة ليلاً لذلك ولم يكن عسكر حماة فيها فإني جردتهم إلى حلب حسب المرسوم الشريف وساروا من حماة إلى حلب يوم خروجي من حماة إلى الديار المصرية فأقامـوا بحلـب ثـم جردهـم نائـب حلب إلى عين تاب ثم إلى الكختا ثم عادوا إلى حماة في أول شعبان بعد قدومي بقريب شهر‏.‏

وفيها مرض الأمير سيف الدين كستاي نائب السلطنة بطرابلس والقلاع في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الآخر الموافق لثامن أيلول فولى السلطان موضعه الأمير شهاب الدين قرطاي أحد أمراء دمشق حينئذ‏.‏

وفيها في جمادى الآخرة سار مهنـا بـن عيسـى وكـان نـازلاً بالقـرب مـن عانـة إلـى خربنـدا واجتمع به بالقرب من قنغرلان ثم عاد إلى بيوته‏.‏

وفيها في ثاني عيد الفطر الموافق لتاسع عشر كانون الأول وقع بحماة والبلاد التي حواليها ثلوج عظيمة ودامت أياماً وبقي على الأرض ذراع ودام على الأرض أياماً وانقطعت الطرق بسببه وكـان ثلجـاً لـم أعهـد مثلـه وكان البرد والجليد شديداً عاماً في البلاد حتى جلد الماء في الديار المصرية ووقعت الثلوج باللاذقية والسواحل‏.‏

وفيها جهزت صحبة لاجيـن المشـد تقدمـة لطيفـة ومملوكـاً يسمـى يلـدز إلـى المواقـف الشريفـة فوصـل بذلـك وقدمـه فقبلـه وشملتنـي صدقـات السلطان صحبة لاجين المذكور بمسامحات ما علي بضائع أجهزها مع كافة التجار في جميع البلاد وكذلك زادني على المعرة بجملة غلال بلادها وضاعـف علـي صدقاتـه وكـان وصـول لاجيـن بذلـك إلـى حمـاة بالسابع والعشرين من شوال من هذه السنة أعني سنة ست عشرة وسبعمائة‏.‏

وفيهـا قصـد حميضـة بـن أبـي نمـي خربندا مستنصراً في إعادته إلى ملك مكة ودفع أخيه رميثة فجرد خربندا مع حميضة الدرفندي وهو النائب على البصرة وجرد معه جماعـة مـن التتـر وعرب خفاجة‏.‏

وفيها في ذي القعدة خرجت المعرة عني وسبب ذلك أن محمد بن عيسى طلبها ليحضر إلى الطاعة فأجيب إلى ذلك وتسلمها نواب المذكور وكتب إلى السلطان بما طيب خاطري من جهتها‏.‏

وفيها بلغ السلطان أن حميضة قد جهزه خربندا بعسكره وخزانـة صحبـة الدرفنـدي ليملكـه مكـة فجهز السلطان نائبه في السلطنة وهو المقر الأشرف السيفي أرغون الدوادار فحج وحج العسكر صحبته وعادوا سالمين وأما حميضة والدرفندي فكان من أمرهما ما سنذكره‏.‏

وفيها لما قدم عسكر مصر إلى مدينة الرسول كان مقدمهم المقر السيفي أرغون فحضر إليه منصـور بـن حماد الحسيني صاحب مدينة الرسول فطلع معه يودعه إلى عيون حمزة فخلع نائب السلطنة على منصور المذكور وعلى ولده كبش بن منصور وأعادهما إلى المدينة فلما حضر المحمـل المصـري وصحبتـه العسكر خرج إليهم منصور فقبضوا عليه وأحضر معتقلاً إلى بين يدي السلطان إلى ديار مصر فتصدق عليه السلطان وأفرج عنه وأمره بالعود إلى بلده‏.‏

وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة سـت عشـرة وسبعمائـة فـي السابـع والعشريـن مـن رمضـان مات خربندا أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طلـو بـن جنكزخـان وكـان جلوسـه فـي الملـك فـي أواخـر فـي الحجـة سنـة ثلاث وسبعمائة ومات بالمدينة الجديدة التي سماها السلطانية وكان اسم بقعتها قنغرلان فلما مـات خطـب بالسلطنة لولده أبي سعيد بن خربندا وكان عمره نحو عشر سنين واستولى على الأمر جوبان ابن الملك ابن تناون‏.‏

وكـان خربنـدا قـد جهـز حميضـة وجهـز معـه الدرفنـدي نائـب السلطانـة بالبصـرة وجهـز معه عسكراً وخزانة ليسير الدرفندي بالعسكر مع حميضه ويقاتل عسكر المسلمين الواصلين إلى الحـج‏.‏

ويملـك حميضـة بـدل أخيـه رميثـة‏.‏

فصار الدرفندي وحميضة ومن معهما من عسكر التتر والعرب حتى جاوزوا البصرة فبلغهم موت خربندا فتفرقت تلك الجموع ولم يبق مع الدرفندي غير ثلاثمائة من التتر وأربعمائة من عقيل عرب البصرة وكان قد استولى على البصرة ابـن السوايكـي فأرسـل استوحـى محمـد بـن عيسى على الدرفندي فجمع محمد بن عيسى عربه عن خفاجة وعرب إخوته وأولاد إخوته وسار إلى الدرفندكط فأحرز له بالقرب من البصرة واتقع معه في العشر الأخير من ذي الحجة من هذه السنة أعني سنة ست عشرة وسبعمائة فانهزم الدرفنـدي فـي بضـع وثلاثيـن نفسـاً مـن أزلامه وانهزم حميضة برقبته وأخذ حريم حميضة وما كان معه من الأموال وكذلك الخيم والأثقال والجمال وكان ذلك شيئاً عظيماً وفيها هرب التراكمين الكنجاوية إلى طاعة السلطان وفارقوا التتر‏.‏

فسارت التتر في طلبهم فأنجد الكنجاويين عسكر البيرة واتقعوا مع التتر فانهزم التتر هزيمة قبيحة وأسر منهم نحو خمسين من المغل وقتل منهم جماعة ووصل الكنجاوية سالمين بذواتهم وحريمهم إلى البلاد الإسلامية‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع عشرة وسبعمائة

ولما دخلت هذه السنة كان الصبي ابن خرابندا واسمه أبو سعيد قد حضر من خراسـان صحبـة سونـج وغيـره مـن الأمـراء إلـى ظاهـر السلطانيـة واجتمعوا مع جوبان ونزلوا جميعهم بظاهر السلطانية مع ذيل الجبل ومضى من أول هذه السنة عدة أشهر ولم يجلس هذا الصبي على سرير الملك بل اسم السلطنة للصبي والحاكم جوبان وفـي الباطـن بينـه وبيـن سونج الوحشة‏.‏

وكل من سونج وجوبان يختار أن يكون هو الذي يجلس الصبي ويكون نائبه فتأخر جلوسه لذلك‏.‏

ثم إنهم اتفقوا وأخرجوا استقطلو عنهم وجهزوه إلى خراسان وكان قد تحرك على خراسان التتر الذين بخوارزم وما وراء النهر وقيل إن ملكهم ياشور‏.‏

وفيها في يوم الثلاثاء السابع والعشرين من صفر الموافق لعاشر أيار من شهور الروم كان السيل الذي خرب بعلبك‏.‏

فإنه جاء من شرقيها بين الظهر والعصر فسكره السور وقوي السيل وقلع برجـاً وبعـض التنأتيـن اللتيـن علـى يميـن البـرج وشمالـه وسـار بالبـرج صحيحـاً يخـرب بالبلد ويخرب ما يمر به من الدور مسافة بعيدة قيل إنها خمسمائة ذراع ودخل السيل الجامع وغرق به جماعة ورمى المنبر وخرب بعض حيطان الجامع وبلغ السيل إلى رؤوس العمد وكذلك دخل السيل المذكور الحمامات وغرق فيها جماعة وذهب للناس بذلك أمـوال عظيمـة وخـرب دوراً كثيـرة وأسواقاً وغرق عدة كثيرة مـن الرجـال والنسـاء والأطفـال وأتلـف كتـب الحديـث والمصاحـف وكانت مضرته عظيمة‏.‏

وفيها في ربيع الآخر كانت الإغارة على آمد وسبب ذلك أن نائب السلطنة بحلب جهز عدة كثيرة من عسكر حلب وغيرهم من التراكمين والعربان والطماعة ومدم عليهم شخصاً تركمانياً من أمراء حلب يقال ابن جاجا وكان عدة المجتمعين المذكورين ما يزيد على عشرة آلاف فارس فسـاروا إلـى آمـد وبغتوهـا ودخلوهـا ونهبـوا أهلهـا المسلميـن والنصارى ثم بعد ذلك أمر بإطلاق من كان مسلماً فأطلقوا بعد أن ذهبت أموالهم وبالغ المجتمعون المذكورون في النهب حتى نهبوا الجامع وأخذوا بسطه وقناديله وفعلوا بالمسلمين كل فعل قبيح وعـادوا سالميـن وقـد امتلـأت أيديهم من الكسوبات الحرام التي لا تحل ولا تجوز شرعاً وخلت آمد من أهلها وصارت كأنها لم تغن بالأمس‏.‏

وفيها في الثاني والعشرين من ربيع الآخر وصلني من صدقات السلطان حصان برقي بسرجه ولجامه صحبة موسى أحد أمراء خورية فوصلته بالخلع والدراهم وقابلـت الصدقـات بمزيـد الدعاء‏.‏

وفيها خرج السلطان الملك الناصر خلد الله ملكه من الديار المصرية في رابع جمادى الأولى الموافق لرابع عشر تموز إلى حسبان من البلقاء ووصل إليها في سادس عشر جمادى الأولى ووصـل إليـه فـي حسبـان المقـر السيفـي تنكز نائب السلطنة بالشام ووصل إليه صحبته جماعة من الأمراء وكنت طلبت دستوراً بالحضور فرسم بتجهيز خيل التقدمة ومقامي بحمـاة فجهزتهـا وأقمت وقدمت خيلي يوم نزوله على حسبان يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الأولى وكنت قد جهزتها صحبة طيدمر الدوادار فقبلت وتصدق السلطـان وأرسـل إلـى صحبـة طيدمـر تشريفاً كاملاً على جاري العادة من الأطلس الأحمر والأصفر والكلوته الزركش والطرز الزركش بالذهـب المصـري وكذلك تصدق بثلاثين ألف درهم وخمسين قطعة وقماش وركبت بالتشريف المذكـور الموكب بحماة نهار الإثنين سادس جمادى الثانية من هذه السنة أعني سنة سبع عشرة وسبعمائـة ثـم عـاد السلطـان إلـى الديـار المصريـة مـن الشوبـك ولـم يصـل في خرجته هذه إلى دمشق بل رجع من بلاد البلقاء‏.‏

فيها وصل مثال السلطان بالبشارة بالنيل وأن الخليج كسر في رابع جمادى الأولى وسلخ أبيب قبل دخول مسرى وهذا مما لا يعهد فإنه تقدم عن عادته شهراً‏.‏

وفيهـا بعـد رحيـل السلطـان عن الكرك أفرج عن الأمير سيف الدين بهادراص‏.‏

ووصل بهادراص إلى دمشق وأتم السلطان السير ودخل مصر يوم الأربعاء منتصف جمادى الآخرة من هـذه وفيهـا فـي أثنـاء ذي الحجـة ظهـر فـي جبـال بلاطنـس إنسـان مـن بعـض النصيريـة وادعـى أنـه محمد ابن الحسن العسكري ثاني عشر الأئمة عند الإمامية الذي دخل السرداب المقدم ذكره فاتبع هذا الخارجي الملعون من النصيرية جماعة كثيرة تقدير ثلاثة آلاف نفر وهجم مدينة جبلة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة والناس في صلاة الجمعة ونهبت أموال أهل جبلة وسلبهم ما عليهم‏.‏

وجرد إليه عسكر من طرابلس فلما قاربوه تفرق جمعه وهرب واختفى في تلك الجبال فتتبع وقتل لعنه الله وباد جمعه وتفرقوا ولم يعد لهم ذكر‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان عشـرة وسبعمائـة

فـي أوائـل هـذه السنـة سـار فضـل بـن عيسـى إلـى ابـن خربنـدا وجوبان إلى بغداد واجتمع بهما وأحضر لهما تقدمة من الخيول العربية فأقبـل جوبـان عليـه وأعطى فضل المذكور البصرة واستمرت له إقطاعاته التي كانت له بالشام بيده مـع البصـرة وأقام فضل عندهما مدة واجتمع بقراسنقر هناك ثم عاد إلى بيوته وبعد مسير فضل عنهما سـار جوبان وابن خربندا عن بغداد إلى قنغرلان وهي المدينة الجديدة المسماة بالسلطانية وفي هذه السنة توجهت من حماة إلى الديار المصرية وخرجت الخيل قدامي من حماة فـي نهـار السبت منتصف جمادى الأولى الموافق لنصف تموز أيضاً وتأخرت أنا بحماة ثم خرجت من حمـاة وركبـت خيـل البريـد في نهار الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الأولى والرابع والعشرين من تموز ولحقت خيلي وثقلي بغزة نهار الأحد غرة جمادى الآخرة وهو اليوم الثلاثون من تموز وسـرت بهـم جميعـاً ووصلـت إلـى قلعـة الجبـل وحضـرت بيـن يدي مولانا السلطان الملك الناصر خلد الله ملكه بها في نهار الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة الموافق لعاشر آب الرومي وشملتني صدقاتـه بالتنزيـل فـي الكبـش وترتيـب الرواتـب الكثيـرة بعـد مـا كان رتب لي في جميع المنازل من حماة إلى الديار المصرية الرواتب الزائدة عن كفايتي وكفاية كل من هو في صحبتي من الأغنام والخبز والسكر وحوائج الطعام والشعير‏.‏

وألبسني تشريفاً في حال قدومي من الأطلس بطرز الزركش والكلوته على العادة وأركبني حصاناً بسرج محلى بالذهب وأقمت تحت صدقاته في الكبش على أجمل حال‏.‏

ثم إنه عن لي أن أرى مدينة الإسكندرية فسألت ذلك وحصلت الصدقات السلطانية بإجابتي لذلك وتقدمت المراسيم أنني أسير إليها في المراكب وأعود في السير على الخيل فسرت أنا ومـن فـي صحبتـي فـي حراقتيـن وتوجهـت مـن الكبـش فـي يـوم الاثنيـن الثالـث والعشريـن مـن جمادى الآخرة وهو الموافق للحادي والعشرين من آب وسرت في النيل إلى أن وصلت إلى فوه وسرنـا منها في الخليج الناصري ووصلت الإسكندرية في بكرة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ووصلني بها من صدقات السلطان مائة قطعة قماش من عمل إسكندرية وأقمت بها حتى صليت الجمعة وخرجت من إسكندرية وركبت الخيـل وبـت فـي تروجـة ووصلت إلى الكبـش بكـرة الاثنيـن الثلاثيـن مـن جمـادى الآخـرة وأقمـت بـه وكسـر الخليـج بحضـوري فـي يوم الأربعاء ثاني رجب الموافق للثلاثين من آب وأول يوم من توت من شهور القبط‏.‏

ثم شملتني الصدقات السلطانية بزيادة عدة قرايا من بلد المعرة علـى مـا هـو مستقـر بيـدي وأفـاض علـي وعلـى مـن هـو في صحبتي بالتشاريف وأمرني بالعود إلى بلدي فخرجت من بين يديه من الميدان في نهار السبت ثاني عشر رجب من هذه السنة الموافق لثامن مـن أيلـول ووصلت إلي حماة نهار الخميس مستهل شعبان الموافق للثامن والعشرين من أيلول واستقريت فيها‏.‏

وفـي هـذه السنـة أعني سنة ثمان عشرة عند توجه الحاج من مصر أرسل السلطان الأمير بدر الدين ابن التركماني وكان المذكور مشد الدواوين بديار مصر فأرسله السلطان مع الحجاج إلى مكة بعسكر وسـار المذكـور حتـى وصـل ووقـف الوقفـة وفـي أيـام التشريـف أرسـل رميثـة صاحـب مكة حسبما أمر به مولانا السلطان بحكم تقصيره ومواطاته في الباطن لأخيه حميضة وأرسله معتقلاً إلى ديار مصر واستقر بدر الدين ابن التركماني المذكور نائباً وحاكما في مكة ولما دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة أرسل السلطان عطيفة وهو من إخوة حميضة وكان عطيفة المذكور مقيماً بمصر فأرسله السلطان ليقيم بها مع بدر الدين ابن التركماني المذكور‏.‏

وفي أواخر هذه السنـة أعنـي سنـة ثمانـي عشـرة وسبعمائـة حالفـت عقيـل عـرب الإحسـاء والقطيف على مهنا بن عيسى وطردوا أخاه فضلاً عن البصرة فجمع مهنـا العـرب وقصـد عقيل والتقى الجمعان وافترقا على غير قتال ولا طيبة بعد أن أخذت عقيل أباعر كثيرة تزيد على عشرة آلاف من عرب مهنا المذكور وعاد كل من الجمعين إلى أماكنهما وكانت هذه البرية وغالب بلاد الإسلام مجدبة لقلة الأمطار وهلك العرب وضرب دواب تفوت الحصر‏.‏

وفيها قريباً من منتصف هذه السنة خرج اللحياني وهو أبو زكريا يحيى الحفصي من ملك تونس وكان اللحياني المذكور قد ملك إفريقية حسبما سقنا وقدمنا ذكره مع جملة الحفصيين فـي سنـة اثنتيـن وخمسيـن وستمائة فلما كانت هذه السنة جمع أخو خالد الذي مات في حبس اللحيانـي فقصـد اللحيانـي فهـرب منـه إلـى طرابلـس وتملـك أخو خالد تونس ولم يقع لي اسم أخي خالد المذكور‏.‏

وكـان للحيانـي ولـد شهـم وكـان اللحيانـي المذكـور يخـاف منـه فاعتقـل ولـده المذكور‏.‏

فلما استولى أخو خالـد المذكـور علـى تونـس وطـرد اللحيانـي عـن المملكـة أخـرج اللحياني ولده من الاعتقال وجمع إليه الجموع والتقى مع أخي خالد فانتصر أخو خالد وقتل ابن اللحياني واستقر اللحياني بطرابلس الغرب كالمحصور بها‏.‏

ثم إن اللحياني أيس من البلاد وهرب بأهله ومن تبعه وقدم بهم إلى الديار المصرية في سنة تسـع عشـرة وقصـد الحـج وتوجـه مـع الحجـاج فمـرض ورجـع من أثناء الطريق‏.‏

ثم إنه قصد الإقامة بالإسكندرية فسار إليها وأقام بها‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع عشـرة وسبعمائـة

فـي هـذه السنـة فـي أواخـر ربيـع الآخـر هـرب رميثة بن أبي نمي الذي كان صاحب مكة وكان المذكور أفرج عنه وأكرم غاية الإكـرام فسولـت لـه نفسـه الهروب إلى الحجاز فهرب وأركب السلطان خلفه جماعة وتبعوه وأمسكوه بالقرب من عقبة إيله على طريق حاج مصر وأحضروه فاعتقل بقلعة الجبل‏.‏